كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني: أنه شجر عظام كبار الشوك، قال أبو عبيدة: هذا هو الطَّلْح عند العرب، قال الحادي:
بَشَّرَها دليلُها وقالا ** غَدًا تَرَيْنَ الطَّلْحَ والجِبالا

فإن قيل: ما الفائدة في الطَّلْح؟
فالجواب أن له نَوْرًا وريحًا طيِّبة، فقد وعدهم ما يعرفون ويميلون إليه، وإن لم يقع التساوي بينه وبين ما في الدنيا.
وقال مجاهد: كانوا يُعْجَبون بـ: (وَجٍّ) وظِلاله من طلحه وسدره.
فأمّا المنضود، فقال ابن قتيبة: هو الذي قد نُضِدَ بالحَمْل أو بالورق والحَمْل من أوَّله إلى آخره، فليس له ساق بارزة، وقال مسروق: شجر الجنة نضيد من أسفلها إلى أعلاها.
قوله تعالى: {وظلٍّ ممدودٍ} أي: دائم لا تنسخه الشمس.
{وماءٍ مسكوبٍ} أي: جارٍ غير منقطع.
قوله تعالى: {لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: لا مقطوعة في حين دون حين، ولا ممنوعة بالحيطان والنواطير، إنما هي مُطْلَقة لمن أرادها، هذا قول ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة.
ولخصه بعضهم فقال: لا مقطوعة بالأزمان، ولا ممنوعة بالأثمان.
والثاني: لا تنقطع إذا جُنِيَتْ، ولا تُمْنع من أحد إِذا أريدت، روي عن ابن عباس.
والثالث: لا مقطوعة بالفَناء، ولا ممنوعة بالفساد، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {وفُرُشٍ مرفوعةٍ} فيها قولان.
أحدهما: أنها الحشايا المفروشة للجلوس والنوم.
وفي رفعها قولان.
أحدهما: أنها مرفوعة فوق السُّرر.
والثاني: أن رفعها: زيادة حشوها ليطيب الاستمتاع بها.
والثاني: أن المراد بالفِراش: النساء؛ والعرب تسمِّي المرأة: فِراشًا وإزارًا ولباسًا؛ وفي معنى رفعهن ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهن رُفِعْن بالجمال على نساء أهل الدنيا، والثاني: رُفِعْن عن الأدناس.
والثالث: في القلوب لشِدَّة الميل إليهن.
قوله تعالى: {إنَّا أنشأناهُنَّ إنشاءً} يعني النساء.
قال ابن قتيبة: اكتفى بذِكْر الفُرُش لأنها محل النساء عن ذكرهن.
وفي المشار إِليهن قولان.
أحدهما: أنهن نساء أهل الدنيا المؤمنات؛ ثم في إنشائهن، قولان.
أحدهما: أنه إنشاؤهن من القبور، قاله ابن عباس.
والثاني: إعادتهن بعد الشَّمَط والكِبَر أبكارًا صغارًا، قاله الضحاك.
والثاني: أنهن الحُور العين، وإنشاؤهن: إيجادهن عن غير ولادة، قاله الزجاج.
والصواب أن يقال: إن الإنشاء عمَّهُنَّ كُلَّهن، فالحُور أُنشئن ابتداءً، والمؤمنات أُنشئن بالإعادة وتغيير الصفات؛ وقد روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ من المنشَآت اللاّتي كُنَّ في الدنيا عجائزَ عُمْشًا رُمْصًا».
قوله تعالى: {فَجَعَلْناهُنَّ أبْكارًا} أي: عذارى.
وقال ابن عباس: لا يأتيها زوجها إِلاّ وجدها بِكْرًا.
قوله تعالى: {عُرُبًا} قرأ الجمهور: بضم الراء.
وقرأ حمزة، وخلف: بإسكان الراء؛ قال ابن جرير: هي لغة تميم وبكر. وللمفسرين في معنى {عُرُبًا} خمسة أقوال.
أحدها: أنهن المتحبِّبات إلى أزواجهن، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، وابن قتيبة، والزجاج.
والثاني: أنهن العواشق، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة، ومقاتل، والمبرّد؛ وعن مجاهد كالقولين.
والثالث: الحسنة التبعُّل، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال أبو عبيدة.
والرابع: الغَنِجات، قاله عكرمة.
والخامسة: الحسنة الكلام، قاله ابن زيد.
فأمّا الأتراب فقد ذكرناهن في [ص: 52].
قوله تعالى: {ثُلَّةٌ من الأوَّلين وثُلَّةٌ من الآخِرِينَ} هذا من نعت أصحاب اليمين.
وفي الأولين والآخرين خلاف، وقد سبق شرحه [الواقعة: 13] وقد زعم مقاتل أنه لمّا نزلت الآية الأولى، وهي قوله: {وقليلٌ من الآخِرِين} وجد المؤمنون من ذلك وَجْدًا شديدًا حتى أُنزلت {وثُلَّةٌ من الآخِرِين} فنسختهْا.
وروي عن عروة بن رُويم نحو هذا المعنى.
قلت: وادِّعاء النَّسخ هاهنا لا وجه له لثلاثة أوجه.
أحدها: أن علماء الناسخ والمنسوخ لم يوافقوا على هذا.
والثاني: أن الكلام في الآيتين خبر، والخبر لا يدخله النسخ، فهو هاهنا لا وجه له.
والثالث: أن الثُّلَّة بمعنى الفِرْقة والفئة؛ قال الزجاج: اشتقاقهما من القِطعة، والثَّلُّ: الكسر والقطع.
فعلى هذا قد يجوز أن تكون الثُّلَّة في معنى القليل.
قوله تعالى: {ما أصحابُ الشِّمال} قد بيَّنّا أنه بمعنى التعجُّب من حالهم؛ والمعنى: ما لهم، وما أُعدَّ لهم من الشَّرِّ؟! ثم بيَّن لهم سوء مُنْقَلَبهم فقال: {في سَموم} قال ابن قتيبة: هو حَرُّ النّار.
قوله تعالى: {وظِلٍّ من يَحْمومٍ} قال ابن عباس: ظِلّ من دخان.
قال الفراء: اليَحْموم: الدُّخان الأسود، {لا باردٍ ولا كريمٍ} فوجه الكلام الخفض تبعًا لما قبله، ومثله {زَيْتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيَّةٍ} [النور: 35]، وكذلك قوله: {وفاكهةٍ كثيرةٍ لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ}، ولو رفعتَ ما بعد (لا) كان صوابًا، والعرب تجعل الكريم تابعًا لكل شيء نفت عنه فعلًا يُنوي به الذم، فتقول: ما هذه الدار بواسعة ولا كريمة، وما هذا بسمين ولا كريم.
قال ابن عباس: لا بارد المدخل ولا كريم المنظر.
قوله تعالى: {إِنهم كانوا قَبْلَ ذلك} أي: في الدنيا {مُتْرَفِينَ} أي: متنعِّمين في ترك أمر الله، فشغلهم تَرفُهم عن الاعتبار والتعبُّد.
{وكانوا يُصِرُّونَ} أي: يُقيمون {على الحِنْث} وفيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه الشِّرك، قاله ابن عباس، والحسن، والضحاك، وابن زيد.
والثاني: الذَّنْب العظيم الذي لا يتوبون منه، قاله مجاهد.
وعن قتادة كالقولين.
والثالث: أنه اليمين الغموس، قاله الشعبي.
والرابع: الشِّرك والكفر بالبعث، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {أَوَ آباؤنا الأوَّلون} قال أبو عبيدة: الواو متحركة لأنها ليست بواو {أو}، إنما هي {وآباؤنا}، فدخلت عليها ألف الاستفهام فتُركتْ مفتوحة.
وقرأ أهل المدينة، وابن عامر: {أَوْ آباؤنا} بإسكان الواو.
وقد سبق بيان ما لم يُذْكَر هاهنا [هود: 103، الصافات: 62، الأنعام: 70] إلى قوله: {فشاربونَ شُربَ الهِيمِ} قرأ أهل المدينة، وعاصم، وحمزة: {شُرْبَ} بضم الشين؛ والباقون بفتحها.
قال الفراء: والعرب تقول: شَرِبْتُه شُرْبًا، وأكثر أهل نجد يقولون: شَرْبًا بالفتح، أنشدني عامَّتهم:
تَكْفيهِ حَزَّةُ فِلْذٍ إِنْ أَلمَّ بها ** من الشِّواءِ ويَكْفِي شَرْبَهُ الغُمَرُ

وزعم الكسائي أن قومًا من بني سعد بن تميم يقولون: {شِرْبَ الهِيم} بالكسر.
وقال الزجاج: (الشَّرْب) المصدر، و(الشُّرْب) بالضم: الاسم، قال: وقد قيل: إنه مصدر أيضًا.
وفي {الهِيم} قولان.
أحدهما: الإبل العِطاش، رواه ابن أبي طلحة والعوفيُّ عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وعطاء، والضحاك، وقتادة.
قال ابن قتيبة: هي الإبل يُصيبها داءٌ فلا تَرْوَى من الماء، يقال: بعيرٌ أَهْيَمُ، وناقةٌ هَيْماءُ.
والثاني: أنها الأرض الرَّملة التي لا تَرْوَى من الماء، وهو مروي عن ابن عباس أيضًا.
قال أبو عبيدة: الهِيم: ما لا يَرْوَى من رَمْل أو بعير.
قوله تعالى: {هذا نُزُلُهم} أي: رزقهم.
ورواه عباس عن أبي عمرو: {نُزْلُهم} بسكون الزاي، أي: رزقهم وطعامهم.
وفى {الدِّين} قولان قد ذكرناهما في (الفاتحة).
قوله تعالى: {نحن خَلَقْناكم} أي: أوجدناكم ولم تكونوا شيئًا، وأنتم تُقِرُّونَ بهذا {فلولا} أي: فهلاّ {تصدِّقونَ} بالبعث؟!
ثم احتجَّ على بعثهم بالقدرة على ابتدائهم فقال: {أفرأيتم ما تُمْنونَ} قال الزجاج: أي: ما يكون منكم من المَنِيِّ، يقال: أمنى الرجل يُمْني، ومَنى يَمني، فيجوز على هذا {تَمْنونَ} بفتح التاء إن ثبتت به رواية.
قوله تعالى: {أأنتم تَخْلُقونه أَمْ نحن الخالقون} أي: تخلُقون ما تُمنون بَشَرًا؟! وفيه تنبيه على شيئين.
أحدهما: الامتنان، إذا خلق من الماء المَهين بَشَرًا سويًا.
والثاني: أن من قَدَر على خَلْق ما شاهدتموه من أصل وجودكم كان أقدَرَ على خَلْق ما غاب عنكم من إعادتكم.
قوله تعالى: {نحن قَدّرْنا بينَكم المَوْتَ} وقرأ ابن كثير: {قَدَرْنا} بتخفيف الدال.
وفي معنى الكلام قولان.
أحدهما: قضينا عليكم بالموت.
والثاني: سوّينا بينكم في الموت {وما نحن بمسبوقين على أن نبدِّل أمثالكم} قال الزجاج: المعنى: إن أردنا أن نخلُق خَلْقًا غيركم لم يسبقنا سابق، ولا يفوتنا ذلك.
وقال ابن قتيبة: لسنا مغلوبين على أن نَستبدل بكم أمثالكم.
قوله تعالى: {ونُنْشِئكم في ما لا تعلمون} وفيه أربعة أقوال.
أحدها: نبدِّل صفاتكم ونجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم، قاله الحسن.
والثاني: ننشئكم في حواصل طير سود تكون بـ: (برهوت) كأنها الخطاطيف، قاله سعيد بن المسيب.
والثالث: نخلقكم في أيّ خَلْق شئنا، قاله مجاهد.
والرابع: نخلقكم في سوى خلقكم، قاله السدي.
قال مقاتل: نخلقكم سوى خلقكم في مالا تعلمون من الصور.
قوله تعالى: {ولقد عَلِمْتم النَّشْأة الأُولى} وهي ابتداء خَلقكم من نُطفة وعَلَقة {فلولا تَذَكَّرونَ} أي: فهلاّ تَعتبِرون فتعلموا قُدرة الله فتُقِرُّوا بالبعث.
{أفرأيتم ما تحرُثونَ} أي: ما تعملون في الأرض من إثارتها، وإلقاء البذور فيها، {أأنتم تزرعونه} أي: تُنبِتونه؟! وقد نبَّه هذا الكلام على أشياء منها إحياء الموتى، ومنها الامتنان بإخراج القُوت، ومنها القدرة العظيمة الدالة على التوحيد.
قوله تعالى: {لجَعَلْناه} يعني الزرع {حُطامًا} قال عطاء: تبنًا لا قمح فيه.
وقال الزجاج: أبطلْناه حتى يكون محتطمًا لا حنطة فيه، ولا شيء.
قوله تعالى: {فظَلْتُم} وقرأ الشعبي، وابو العالية، وابن أبي عبلة: {فظِلْتُم} بكسر الظاء؛ وقد بيناه في قوله: {ظَلْتَ عليه عاكفًا} [طه: 97].
قوله تعالى: {تَفَكَّهونَ} وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن السميفع، والقاسم بن محمد، وعروة: {تَفَكَّنونَ} بالنون.